سورة غافر - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


هذه ابتداء مخاطبة في معنى توحيد الله تعالى وتبيين علامات ذلك، وآيات الله: تعم آيات قدرته وآيات قرآنه والمعجزات الظاهرة على أيدي رسله. وتنزيل الرزق: هو في تنزيل المطر وفي تنزيل القضاء والحكم، قيل ما يناله المرء في تجارة وغير ذلك وقرأ جمهور الناس: {ويُنْزِل} بالتخفيف. وقرأ الحسن والأعرج وعيسى وجماعة: وينَزِّل بفتح النون وشد الزاي.
وقوله تعالى: {وما يتذكر إلا من ينيب} معناه: وما يتذكر تذكراً يعتد به وينفع صاحبه، لأنا نجد من لا ينيب يتذكر، لكن لما كان ذلك غير نافع عد كأنه لم يكن.
وقوله: {فادعوا الله} مخاطبة للمؤمنين أصحاب محمد عليه السلام. وادعوا: معناه: اعبدوا.
وقوله تعالى: {رفيع الدرجات} صفاته العلى، وعبر بما يقرب لأفهام السامعين، ويحتمل أن يريد ب {رفيع الدرجات} التي يعطيها للمؤمنين ويتفضل بها على عباده المخلصين في جنة. و: {العرش} هو الجسم المخلوق الأعظم الذي السماوات السبع والأرضون فيه كالدنانير في الفلاة من الأرض.
وقوله تعالى: {يلقي الروح} قال الضحاك: {الروح} هنا هو الوحي القرآن وغيره مما لم يتل. وقال قتادة والسدي: {الروح} النبوءة ومكانتها كما قال تعالى: {روحاً من أمرنا} [الشورى: 52] ويسمى هذا روحاً لأنه يحيي به الأمم والأزمان كما يحيي الجسد بروحه، ويحتمل أن يكون إلقاء الروح عاماً لكل ما ينعم الله به على عباده المعتدين في تفهيمه الإيمان والمعتقدات الشريفة. والمنذر على هذا التأويل: هو الله تعالى. قال الزجاج: {الروح}: كل ما به حياة الناس، وكل مهتد حي، وكل ضال كالميت.
وقوله: {من أمره} إن جعلته جنساً للأمور ف {من} للتبعيض أو لابتداء الغاية، وإن جعلنا الأمر من معنى الكلام: ف {من} إما لابتداء الغاية، وإما بمعنى الباء، ولا تكون للتبعيض بتة وقرأ أبي بن كعب: وجماعة: لينذِر بالياء وكسر الذال، وفي الفعل ضمير يحتمل أن يعود على الله تعالى، ويحتمل أن يعود على {الروح}، ويحتمل أن يعود على {من} في قوله: {من يشاء}. وقرأ محمد بن السميفع اليماني: لينذَر بالياء وفتح الذال، وضم الميم من يومُ وجعل اليوم منذراً على الاتساع. وقرا جمهور الناس: {لتنذر} بالتاء على مخاطبة محمد عليه السلام، ويومَ بالنصب.
وقرأ أبو عمرو ونافع وجماعة: {التلاق} دون ياء. وقرأ أبو عمرو أيضاً وعيسى ويعقوب: {التلاقي} بالياء، والخلاف فيها كالخلاف الذي مر في {التنادي} [غافر: 32]، ومعناه: تلاقي جميع العالم بعضهم ببعض، وذلك أمر لم يتفق قبل ذلك اليوم، وقال السدي: معناه: تلاقي أهل السماء وأهل الأرض، وقيل معناه تلاقي الناس مع بارئهم، وهذا المعنى الأخير هو أشدها تخويفاً، وقيل يلتقي المرء وعمله.
وقوله تعالى: {يوم هم بارزون} معناه في براز من الأرض ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي، ونصب {يوم} على البدل من الأول فهو نصب المفعول، ويحتمل أن ينصب على الظرف ويكون العامل فيه قوله: {لا يخفى} وهي حركة إعراب لا حركة بناء، لأن الظرف لا يبنى إلا إذا أضيف إلى غير متمكن كيومئذ، وكقول الشاعر [النابغة الذبياني]: [الطويل]
على حين عاتبت المشيب على الصبا *** وقلت ألمّا أصحُ والشيب وارع
وكقوله تعالى: {هذا يوم ينفع الصادقين} [المائدة: 119] وأما في هذه الآية فالجملة أمر متمكن كما تقول: جئت يوم زيد فلا يجوز البناء، وتأمل.
وقوله تعالى: {لا يخفى على الله منهم} أي من بواطنهم وسرائرهم ودعوات صدورهم، وفي مصحف أبي بن كعب: {لا يخفى عليه منهم شيء} بضمير بدل المكتوبة.
وقوله تعالى: {لمن الملك اليوم} روي أن الله تعالى يقرر هذا التقدير ويسكت العالم هيبة وجزعاً، فيجيب هو نفسه قوله: {لله الواحد القهار} قال الحسن بن أبي الحسن هو تعالى السائل وهو المجيب. وقال ابن مسعود: أنه تعالى يقرر فيجيب العالم بذلك، وقيل ينادي بالتقرير ملك فيجيب الناس.
قال القاضي أبو محمد: وإذا تأمل المؤمن أنه لا حول لمخلوق ولا قوة إلا بالله، فالزمان كله وأيام الدهر أجمع إنما الملك فيها {لله الواحد القهار}، لكن ظهور ذلك للكفرة والجهلة يتضح يوم القيامة، وإذا تأمل تسخير أهل السماوات وعبادتهم ونفوذ القضاء في الأرض فأي ملك لغير الله عز وجل.
ثم يعلم تعالى أهل الموقف بأنه يوم المجازاة بالأعمال صالحها وسيئها، وهذه الآية نص في أن الثواب والعقاب معلق باكتساب العبيد، وأنه يوم لا يوضع فيه أمر غير موضعه، وذلك قوله: {لا ظلم اليوم}. ثم أخبرهم عن نفسه بسرعة الحساب، وتلك عبارة عن إحاطته بالأشياء علماً، فهو يحاسب الخلائق في ساعة واحدة كما يرزقهم، لأنه لا يحتاج إلى عد وفكرة، لا رب غيره، وروي أن يوم القيامة لا ينتصف حتى يقيل المؤمنون في الجنة والكافرون في النار.


أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالإنذار للعالم والتحذير من يوم القيامة وأهواله، وهو الذي أراد ب {يوم الآزفة}، قاله مجاهد وقتادة وابن زيد: ومعنى {الآزفة}: القريبة، من أزف الشيء إذا قرب، و{الآزفة} في الآية صفة لمحذوف قد علم واستقر في النفوس هوله، فعبر عنه بالقرب تخويفاً، والتقدير: يوم الساعة الآزفة أو الطامة الآزفة ونحو هذا فكما لو قال: وأنذرهم الساعة لعلم هولها بما استقر في النفوس من أمرها، فكذلك علم هنا إذا جاء بصفتها التي تقتضي حلولها واقترابها.
وقوله: {إذ القلوب لدى الحناجر} معناه: عند الحناجر، أي قد صعدت من شدة الهول والجزع، وهذا أمر يحتمل أن يكون حقيقة يوم القيامة من انتقال قلوب البشر إلى حناجرهم وتبقى حياتهم، بخلاف الدنيا التي لا تبقى فيها لأحد مع تنقل قلبه حياة، ويحتمل أن يكون تجوزاً عبر عما يجده الإنسان من الجزع وصعود نفسه وتضايق حنجرته بصعود القلب، وهذا كما تقول العرب: كادت نفسي أن تخرج، وهذا المعنى يجده المفرط الجزع كالذي يقرب للقتل ونحو.
وقوله: {كاظمين} حال مما أبدل منه قوله: {إذ القلوب لدى الحناجر} أو مما تتضاف إليه القلوب، لأن المراد إذ قلوب الناس لدى حناجرهم، وهذا كقوله تعالى: {تشخص فيه الأبصار مهطعين إلى الداع} [القمر: 8] أراد تشخص فيه أبصارهم، والكاظم: الذي يرد غيظه وجزعه في صدره، فمعنى الآية أنهم يطمعون برد ما يجدونه في الحناجر والحال تغالبهم. ثم أخبرهم تعالى أن الظالمين ظلم الكفر في تلك الحال ليس لهم حميم، أي قريب يحتم لهم ويتعصب، ولا لهم شفيع يطاع فيهم، وإن هم بعضهم بالشفاعة لبعض فهي شفاعة لا تقبل، وقد روي أن بعض الكفرة يقولون لإبليس يوم القيامة: اشفع لنا، فيقوم ليشفع، فتبدو منه أنتن ريح يؤذي بها أهل المحشر، ثم ينحصر ويكع ويخزى. و: {يطاع} في موضع الصفة ل {شفيع}، لأن التقدير: ولا شفيع يطاع، وموضع {يطاع} يحتمل أن يكون خفضاً حملاً على اللفظ، ويحتمل أن يكون رفعاً عطفاً على الموضع قبل دخول {من}.
قال القاضي أبو محمد: وهذه الآية كلها عندي اعتراض في الكلام بليغ.
وقوله: {يعلم خائنة الأعين} متصل بقوله: {سريع الحساب} [غافر: 17] لأن سرعة حسابه تعالى للخلق إنما هي بعلمه الذي لا يحتاج معه إلى روية وفكرة ولا لشيء مما يحتاجه الحاسبون. وقالت فرقة: {يعلم} متصل بقوله: {لا يخفى على الله منهم شيء} [غافر: 16]، وهذا قول حسن يقويه تناسب المعنيين ويضعفه بعد الآية وكثرة الحائل. والخائنة: مصدر كالخيانة، ويحتمل في الآية أن يكون {خائنة} اسم فاعل، كما تقول: ناظرة الأعين إذا خانت في نظرها.
وهذه الآية عبارة عن علم الله تعالى بجميع الخفيات، فمن ذلك كسر الجفون والغمز بالعين أو النظرة التي تفهم معنى، أو يريد بها صاحبها معنى، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه عبد الله بن أبي سرح ليسلم بعد ردته بشفاعة عثمان، فتلكأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بايعه، ثم قال عليه السلام لأصحابه: «هلا قام إليه رجل حين تلكأت عليه فضرب عنقه؟»، فقالو يا رسول الله: ألا أومأت إلينا؟ فقال عليه السلام: «ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين» وفي بعض الكتب المنزلة من قول الله عز وجل: أنا مرصاد الهمم، أنا العالم بمجال الفكر وكسر الجفون. وقال مجاهد: {خائنة الأعين}: مسارقة النظر إلى ما لا يجوز: ثم قوى تعالى هذه الأخبار بأنه يعلم ما تخفي الصدور مما لم يظهر على عين ولا غيرها، ومثل المفسرون في هذه الآية بنظر رجل إلى امرأة هي حرمة لغيره، فقالوا {خائنة الأعين}: هي النظرة الثانية. {وما تخفي الصدور}: أي عند النظرة الأولى التي لا يمكن المرء دفعها، وهذا المثال جزء من {خائنة الأعين}.
ثم قدح في جهة الأصنام، فأعلم أنه لا رب غيره {يقضي بالحق}، أي يجازي الحسنة بعشر والسيئة بمثل، وينصف المظلوم من الظالم إلى غير ذلك من أقضية الحق والعدل، والأصنام لا تقضي بشيء ولا تنفذ أمراً. و: {يدعون} معناه: يعبدون.
وقرأ جمهور القراء: {يدعون} بالياء على ذكر الغائب. وقرأ نافع بخلاف عنه. وأبو جعفر وشيبة: {تدعون} بالتاء على معنى قل لهم يا محمد: والذين تدعون أنتم.
ثم ذكر تعالى لنفسه صفتين بين عرو الأوثان عنهما وهي في جهة الله تعالى عبارة عن الإدراك على إطلاقه، ثم أحال كفار قريش وهم أصحاب الضمير في {يسيروا} على الاعتبار بالأمم القديمة التي كذبت أنبياءها فأهلكها الله تعالى.
وقوله: {فينظروا} يحتمل أن يجعل في موضع نصب جواب الاستفهام، ويحتمل أن يكون مجزوماً عطفاً على {يسيروا}. و: {كيف} في قوله: {كيف كان عاقبة} خبر {كان} مقدم، وفي {كيف} ضمير، وهذا مع أن تكون {كان} الناقصة. وأما إن جعلت تامة بمعنى حدث ووقع، ف {كيف} ظرف ملغى لا ضمير فيه.
وقرأ ابن عامر وحده: {أشد منكم} بالكاف، وكذلك هي في مصاحف الشام، وذلك على الخروج من غيبة إلى الخطاب. وقرأ الباقون: {أشد منهم} وكذلك هي في سائر المصاحف، وذلك أوفق لتناسب ذكر الغيب.
والآثار في ذلك: هي المباني والمآثر والصيت الدنياوي، وذنوبهم كانت تكذيب الأنبياء، والواقي: الساتر المانع، مأخوذ من الوقاية.


قوله تعالى: {ذلك} إشارة إلى أخذه إياهم بذنوبهم وإن لم يكن لهم منه واق. ثم ذكر تعالى أن السبب في إهلاكهم هو ما قريش عليه من أن جاءهم رسول من الله ببينات من المعجزات والبراهين فكفروا به، وذكر أن الله تعالى أخذهم، ووصف نفسه تعالى بالقوة وشدة العقاب، وهذا كله بيان في وعيد قريش.
ثم ابتدأ تعالى قصة موسى عليه السلام مع فرعون وملإه، وهي قصة فيها للنبي صلى الله عليه وسلم تسلية وأسوة، وفيها لقريش والكفار به وعيد ومثال يخافون منه أن يحل بهم ما حل بأولئك من النقمة، وفيها للمؤمنين وعد ورجاء في النصر والظفر وحمد عاقبة الصبر، وآيات موسى عليه السلام كثيرة عظمها، والذي عرضه على جهة التحدي بالعصا واليد، ووقعت المعارضة في العصا وحدها ثم انفصلت القضية عن إيمان السحرة وغلبة الكافرين. والسلطان: البرهان.
وقرأ عيسى بن عمر: {سلُطان} بضم اللام، والناس على سكونها.
وخص تعالى {هامان وقارون} بالذكر تنبيهاً على مكانهما من الكفر، ولكونهما أشهر رجال فرعون وقيل إن قارون هذا ليس بقارون بني إسرائيل، وقيل هو ذلك، ولكنه كان منقطعاً إلى فرعون خادماً مستعيناً معه.
وقوله: {ساحر} أي في أمر العصا. و: {كذاب} في قوله: إني رسول من الله.
ثم أخبر تعالى عنهم أنهم لما جاءهم موسى بالنبوة والحق من عند الله، قال هؤلاء الثلاثة وأجمع رأيهم على أن يقتل أبناء بني إسرائيل أتباع موسى وشبانهم وأهل القوة منهم، وأن يستحي النساء للخدمة والاسترقاق، وهذا رجوع منهم إلى نحو القتل الأول الذي كان قبل ميلاد موسى، ولكن هذا الأخير لم تتم فيه عزمة، ولا أعانهم الله تعالى على شيء منه. قال قتادة: هذا قتل غير الأول الذي كان حذر المولود، وسموا من ذكرنا من بني إسرائيل أبناء، كما تقول لأنجاد القبيلة أو المدينة وأهل الظهور فيها: هؤلاء أبناء فلانة.
وقوله تعالى: {وما كيد الكافرين إلا في ضلال} عبارة وجيزة تعطي قوتها أن هؤلاء الثلاثة لم يقدرهم الله تعالى على قتل أحد من بني إسرائيل ولا نجحت لهم فيه سعاية، بل أضل الله سعيهم وكيدهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7